شعوب العالم في غالب الأحيان أفضل من حكوماتها، خصوصاً في البذل دفاعاً عن القيم الإنسانية. بل هي تتقدم بأشواط على المسؤولين في مسألتي الحرية والكرامة إلى درجة يبدو معها الشعب قائداً والحاكم منقاداً.
في مواجهة حرب "دولة الاحتلال" الوحشية على غزة كان الشعب الفلسطيني في صموده ومقاومته هو القائد.
ما كانت قيادة المقاومة ولا مجتمعها ليصمدا ويقاتلا 22 يوماً بلا كلل في ظل حصار خانق وتحت قصف متواصل من الجو والبر والبحر لولا أن الشعب كان أسطورياً في صموده ومتقدماً عليهما في كل مضمار.
إذا كان للقيادة مكرمة المبادرة، فللشعب شرف المثابرة.
الأمر نفسه تكرر، بشكل أو بآخر، في شتى أصقاع العالم. فالشعوب التي تحركت وتظاهرت وتجاوبت مع الشعب الفلسطيني الصامد والمقاتل في غزة كانت أكثر وأصدق من المسؤولين. والحكومات التي تحركت واحتجت وساندت كانت حكومات وطنية وشعبية ومنتخبة بصورة شرعية من شعوبها.
ما حققه الشعب الفلسطيني في صموده ومقاومته الأسطورية من رصيد وسمعة ومهابة، عربياً وإسلامياً وعالمياً، يجب أن يوظف بسرعة وقوة في خدمة قضيته ومتطلباتها في هذه المرحلة المفصلية التي ينتقل فيها العالم من زمن إلى آخر.
لعل أول متطلبات القضية في هذه الآونة تنظيم الجهود الهادفة إلى محاكمة مجرمي الحرب "الدولة الاحتلاليين"، سياسيين وعسكريين، المسؤولين عن ارتكاب جرائم الحرب والإبادة والجرائم ضد الإنسانية في محرقة غزة الأخيرة.
محاكمة هؤلاء يجب أن تجري أمام المحكمة الجنائية الدولية. غير أن "دولة الاحتلال" التي تنبهت إلى إمكانية إحالة مسؤوليها المرتكبين على هذه المحكمة سارعت، بالتعاون مع حلفائها العنصريين في دول الحلف الأطلسي، إلى شن حملة مضادة لتعطيل الجهود العربية والعالمية الناشطة في هذا السبيل. محور الحملة المضادة دفعٌ "قانوني" مفاده أن المحكمة الجنائية الدولية لا تتمتع بالحق في ممارسة صلاحياتها تجاه مواطني "دولة الاحتلال" لكون نظامها لا يوليها إلا حق محاكمة مواطني الدول الأعضاء، و"دولة الاحتلال" لم توقع معاهدة روما التي أقرت نظام المحكمة ولا تعترف تالياً باختصاصها.
وكان المدعي العام لدى المحكمة لويس مورينو أوكامبو قد أخذ بهذا الدفع في الماضي معطلاً بذلك إمكان ملاحقة المسؤولين "الصهاينة" الذين ارتكبوا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في حرب "دولة الاحتلال" العدوانية على لبنان صيف العام 2006.
غير أن أوكامبو أعلن في حديث لجريدة "التايمز" البريطانية في 3/2/2009 أنه فتح "تحقيقاً أولياً" حول الجرائم التي ارتكبتها "دولة الاحتلال" في حربها على غزة وذلك بعد تلقيه 210 نداءات من أفراد فلسطينيين ومنظمات غير حكومية تدعوه إلى ذلك.
خطوة أوكامبو هذه إيجابية ومتقدمة ومن شأنها المساعدة على إقرار اختصاص المحكمة الجنائية الدولية في الجرائم التي ارتكبها مسؤولون "صهاينة"، إلا أن النتيجة غير مضمونة، ذلك أن هيئة المحكمة في وسعها، بعد إحالة نتيجة التحقيق عليها مع الادعاء المقدم من المدعين، أن تحكم بعدم اختصاصها. كما في وسع "دولة الاحتلال" إثارة القضية أمام مجلس الأمن الدولي الذي يمكنه اتخاذ قرار بعدم جواز النظر في الدعوى أمامها لكون "دولة الاحتلال" غير موقعة على نظامها ولا تعترف باختصاصها.
هذا الاحتمال السلبي لم يغب عن ذهن المفكرين والناشطين والمنظمات غير الحكومية الساعين جميعاً من أجل ملاحقة مجرمي الحرب "الدولة الإسرائيليين" أمام المحكمة الجنائية الدولية، لذلك تحسبوا لإمكان الأخذ به في مجلس الأمن فاختاروا بذكاء وحصافة مساراً موازياً يوصل إلى الهدف نفسه، فقد ارتأى هؤلاء أن تنطلق منظمات حقوق الإنسان في العالم، مدعومة بتيار يضم أكثر من خمسة ملايين ناشط من المجتمع المدني العالمي، من مقولة يتبناها أوكامبو مفادها ضرورة الانتقال من اعتبار السلطة الفلسطينية دولة في الواقع de facto إلى دولة في القانون de jure الأمر الذي يسهل انتساب فلسطين إلى نظام المحكمة الجنائية الدولية وبالتالي زوال المانع الحائل دون ممارسة مواطنيها حق الادعاء أمامها.
لتسريع الاعتراف بوجود دولة فلسطينية في إطار القانون الدولي ولتقويض معارضة "دولة الاحتلال" وحلفائها في هذا المجال، تولى رئيس اللجنة العربية لحقوق الإنسان في باريس الدكتور هيثم منّاع حملة واسعة لإقناع دول العالم، لا سيما تلك التي تنتصر لحقوق الإنسان وحقوق الشعوب في الحرية والكرامة والعدالة، بدعم مطالب ثلاثة عاجلة:
الأول، أن يتبنى "التحالف الدولي من أجل محكمة جنائية دولية في نيويورك" دونما تأخير طلب الدولة الفلسطينية والشعب الفلسطيني بأن تكون دولة فلسطين رابع دولة عربية تقبل باختصاص معاهدة روما (نظام المحكمة الجنائية الدولية).
الثاني، أن تحترم الحكومات العربية استقلال التحالف الدولي بغية محاسبة مجرمي الحرب "الدولة الإسرائيليين" فلا تعوّق عمله في التوثيق والتحقيق.
الثالث، أن تقود الدول الصديقة للشعب الفلسطيني (فنزويلا وبوليفيا وجنوب إفريقيا) حملة مطالبة الجمعية العمومية للأمم المتحدة بإعلان فلسطين دولة كاملة السيادة وبالتالي عضواً كامل العضوية في الأمم المتحدة.
يقول الدكتور منّاع: لا سبيل إلى الدفع بعدم قانونية وجود دولة فلسطينية بدعوة أن اتفاقات أوسلو لم ترسم لها حدوداً، ذلك بأن "دولة الاحتلال" نفسها لم ترسم لنفسها حدوداً لا في دستورها ولا في أي وثيقة مسجلة لدى الأمم المتحدة. ويلاحظ منّاع بأسى أن معظم الدول العربية مقصرة في مجال العمل لمحاكمة مجرمي الحرب "الصهاينة" الأمر الذي حمله ورفاقه على مقاربة وزراء العدل في كلٍ من جنوب إفريقيا وفنزويلا وبوليفيا لتبني المطالب المنوه بها آنفاً. وهل ينسى الفلسطينيون والعرب أن كلاً من فنزويلا وبوليفيا قطعت علاقاتها الدبلوماسية ب"دولة الاحتلال"، كما دانت حكومة جنوب إفريقيا جرائمها النكراء في الحرب على غزة، في حين أن أياً من دول العرب ارتقت بردة فعلها إلى مستوى هذه الدول الثلاث؟
إن العرب الأحياء يلاحظون دونما عناء أن شعوب العالم ضبطت "دولة الاحتلال" بالجرم المشهود أثناء حربها الوحشية على غزة وأن الظرف مواتٍ جداً لمحاسبتها ومحاكمتها وتوقيع أقسى العقوبات بمجرمي الحرب من مسؤوليها السياسيين والعسكريين.
أكثر من ذلك، آن الأوان لشن حملة ثقافية وإعلامية موثقة وواسعة ضد ثقافة "الهولوكوست" (المحرقة) التي خدّرت بها الصهيونية العالم أكثر من ستين سنة وجعلت منها خلفية دائمة وحيثية ثابتة وسيفاً مصلتاً فوق رؤوس أهل القرار في دول الغرب لإرهابهم فكرياً وسياسياً ولابتزازهم وإكراههم على محاباتها بعدم إدانة جرائمها، بل لإكراههم على نصرتها ضد أعدائها بدعوى مواجهة دعاة اللاسامية.
ها هي "دولة الاحتلال" ترتكب جهاراً نهاراً على مرأى من العالم أجمع أفظع الجرائم وأكثرها وحشية، فهل من سبيل إلى النكران؟ وهل من سبب لعدم التحرك بقوة وسرعة لضبطها وفضحها وإدانتها ومحاسبتها أمام مجتمع الدول وعالم الشعوب؟ الشعوب أرحم بشعب فلسطين وكل شعب مظلوم من الحكومات.
في مواجهة حرب "دولة الاحتلال" الوحشية على غزة كان الشعب الفلسطيني في صموده ومقاومته هو القائد.
ما كانت قيادة المقاومة ولا مجتمعها ليصمدا ويقاتلا 22 يوماً بلا كلل في ظل حصار خانق وتحت قصف متواصل من الجو والبر والبحر لولا أن الشعب كان أسطورياً في صموده ومتقدماً عليهما في كل مضمار.
إذا كان للقيادة مكرمة المبادرة، فللشعب شرف المثابرة.
الأمر نفسه تكرر، بشكل أو بآخر، في شتى أصقاع العالم. فالشعوب التي تحركت وتظاهرت وتجاوبت مع الشعب الفلسطيني الصامد والمقاتل في غزة كانت أكثر وأصدق من المسؤولين. والحكومات التي تحركت واحتجت وساندت كانت حكومات وطنية وشعبية ومنتخبة بصورة شرعية من شعوبها.
ما حققه الشعب الفلسطيني في صموده ومقاومته الأسطورية من رصيد وسمعة ومهابة، عربياً وإسلامياً وعالمياً، يجب أن يوظف بسرعة وقوة في خدمة قضيته ومتطلباتها في هذه المرحلة المفصلية التي ينتقل فيها العالم من زمن إلى آخر.
لعل أول متطلبات القضية في هذه الآونة تنظيم الجهود الهادفة إلى محاكمة مجرمي الحرب "الدولة الاحتلاليين"، سياسيين وعسكريين، المسؤولين عن ارتكاب جرائم الحرب والإبادة والجرائم ضد الإنسانية في محرقة غزة الأخيرة.
محاكمة هؤلاء يجب أن تجري أمام المحكمة الجنائية الدولية. غير أن "دولة الاحتلال" التي تنبهت إلى إمكانية إحالة مسؤوليها المرتكبين على هذه المحكمة سارعت، بالتعاون مع حلفائها العنصريين في دول الحلف الأطلسي، إلى شن حملة مضادة لتعطيل الجهود العربية والعالمية الناشطة في هذا السبيل. محور الحملة المضادة دفعٌ "قانوني" مفاده أن المحكمة الجنائية الدولية لا تتمتع بالحق في ممارسة صلاحياتها تجاه مواطني "دولة الاحتلال" لكون نظامها لا يوليها إلا حق محاكمة مواطني الدول الأعضاء، و"دولة الاحتلال" لم توقع معاهدة روما التي أقرت نظام المحكمة ولا تعترف تالياً باختصاصها.
وكان المدعي العام لدى المحكمة لويس مورينو أوكامبو قد أخذ بهذا الدفع في الماضي معطلاً بذلك إمكان ملاحقة المسؤولين "الصهاينة" الذين ارتكبوا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في حرب "دولة الاحتلال" العدوانية على لبنان صيف العام 2006.
غير أن أوكامبو أعلن في حديث لجريدة "التايمز" البريطانية في 3/2/2009 أنه فتح "تحقيقاً أولياً" حول الجرائم التي ارتكبتها "دولة الاحتلال" في حربها على غزة وذلك بعد تلقيه 210 نداءات من أفراد فلسطينيين ومنظمات غير حكومية تدعوه إلى ذلك.
خطوة أوكامبو هذه إيجابية ومتقدمة ومن شأنها المساعدة على إقرار اختصاص المحكمة الجنائية الدولية في الجرائم التي ارتكبها مسؤولون "صهاينة"، إلا أن النتيجة غير مضمونة، ذلك أن هيئة المحكمة في وسعها، بعد إحالة نتيجة التحقيق عليها مع الادعاء المقدم من المدعين، أن تحكم بعدم اختصاصها. كما في وسع "دولة الاحتلال" إثارة القضية أمام مجلس الأمن الدولي الذي يمكنه اتخاذ قرار بعدم جواز النظر في الدعوى أمامها لكون "دولة الاحتلال" غير موقعة على نظامها ولا تعترف باختصاصها.
هذا الاحتمال السلبي لم يغب عن ذهن المفكرين والناشطين والمنظمات غير الحكومية الساعين جميعاً من أجل ملاحقة مجرمي الحرب "الدولة الإسرائيليين" أمام المحكمة الجنائية الدولية، لذلك تحسبوا لإمكان الأخذ به في مجلس الأمن فاختاروا بذكاء وحصافة مساراً موازياً يوصل إلى الهدف نفسه، فقد ارتأى هؤلاء أن تنطلق منظمات حقوق الإنسان في العالم، مدعومة بتيار يضم أكثر من خمسة ملايين ناشط من المجتمع المدني العالمي، من مقولة يتبناها أوكامبو مفادها ضرورة الانتقال من اعتبار السلطة الفلسطينية دولة في الواقع de facto إلى دولة في القانون de jure الأمر الذي يسهل انتساب فلسطين إلى نظام المحكمة الجنائية الدولية وبالتالي زوال المانع الحائل دون ممارسة مواطنيها حق الادعاء أمامها.
لتسريع الاعتراف بوجود دولة فلسطينية في إطار القانون الدولي ولتقويض معارضة "دولة الاحتلال" وحلفائها في هذا المجال، تولى رئيس اللجنة العربية لحقوق الإنسان في باريس الدكتور هيثم منّاع حملة واسعة لإقناع دول العالم، لا سيما تلك التي تنتصر لحقوق الإنسان وحقوق الشعوب في الحرية والكرامة والعدالة، بدعم مطالب ثلاثة عاجلة:
الأول، أن يتبنى "التحالف الدولي من أجل محكمة جنائية دولية في نيويورك" دونما تأخير طلب الدولة الفلسطينية والشعب الفلسطيني بأن تكون دولة فلسطين رابع دولة عربية تقبل باختصاص معاهدة روما (نظام المحكمة الجنائية الدولية).
الثاني، أن تحترم الحكومات العربية استقلال التحالف الدولي بغية محاسبة مجرمي الحرب "الدولة الإسرائيليين" فلا تعوّق عمله في التوثيق والتحقيق.
الثالث، أن تقود الدول الصديقة للشعب الفلسطيني (فنزويلا وبوليفيا وجنوب إفريقيا) حملة مطالبة الجمعية العمومية للأمم المتحدة بإعلان فلسطين دولة كاملة السيادة وبالتالي عضواً كامل العضوية في الأمم المتحدة.
يقول الدكتور منّاع: لا سبيل إلى الدفع بعدم قانونية وجود دولة فلسطينية بدعوة أن اتفاقات أوسلو لم ترسم لها حدوداً، ذلك بأن "دولة الاحتلال" نفسها لم ترسم لنفسها حدوداً لا في دستورها ولا في أي وثيقة مسجلة لدى الأمم المتحدة. ويلاحظ منّاع بأسى أن معظم الدول العربية مقصرة في مجال العمل لمحاكمة مجرمي الحرب "الصهاينة" الأمر الذي حمله ورفاقه على مقاربة وزراء العدل في كلٍ من جنوب إفريقيا وفنزويلا وبوليفيا لتبني المطالب المنوه بها آنفاً. وهل ينسى الفلسطينيون والعرب أن كلاً من فنزويلا وبوليفيا قطعت علاقاتها الدبلوماسية ب"دولة الاحتلال"، كما دانت حكومة جنوب إفريقيا جرائمها النكراء في الحرب على غزة، في حين أن أياً من دول العرب ارتقت بردة فعلها إلى مستوى هذه الدول الثلاث؟
إن العرب الأحياء يلاحظون دونما عناء أن شعوب العالم ضبطت "دولة الاحتلال" بالجرم المشهود أثناء حربها الوحشية على غزة وأن الظرف مواتٍ جداً لمحاسبتها ومحاكمتها وتوقيع أقسى العقوبات بمجرمي الحرب من مسؤوليها السياسيين والعسكريين.
أكثر من ذلك، آن الأوان لشن حملة ثقافية وإعلامية موثقة وواسعة ضد ثقافة "الهولوكوست" (المحرقة) التي خدّرت بها الصهيونية العالم أكثر من ستين سنة وجعلت منها خلفية دائمة وحيثية ثابتة وسيفاً مصلتاً فوق رؤوس أهل القرار في دول الغرب لإرهابهم فكرياً وسياسياً ولابتزازهم وإكراههم على محاباتها بعدم إدانة جرائمها، بل لإكراههم على نصرتها ضد أعدائها بدعوى مواجهة دعاة اللاسامية.
ها هي "دولة الاحتلال" ترتكب جهاراً نهاراً على مرأى من العالم أجمع أفظع الجرائم وأكثرها وحشية، فهل من سبيل إلى النكران؟ وهل من سبب لعدم التحرك بقوة وسرعة لضبطها وفضحها وإدانتها ومحاسبتها أمام مجتمع الدول وعالم الشعوب؟ الشعوب أرحم بشعب فلسطين وكل شعب مظلوم من الحكومات.